اجمل كلام الحب والغزل....؟؟
أما قمت مرة في السحر، فأحسست نسيم الليل الناعش، وسكونه الناطق...؟
أما سمعت مرة في صفاء الليل نغمة عذبة فهزّت منك وتر القلب ؟
أما خلوت مرة بنفسك تفكر في الماضي فتذكر أفراحه وأتراحه فوجدت فراغاً في نفسك،
فتلفت تفتش عن هذا الماضي الذي لن يعود ؟
أما قرأت مرة قصة من قصص الحب فأحسست بمثل النار تمشي في أعصابك ؟
فمن هو الذي يصف لذائذك النفسية وآلامك، وبؤسك ونعماءك؟
لن يصورها اللغويون ولا الأطباء ولا المهندسون. فمن هم أهل القلوب؟
ومن كان في طول الهوى ذاق لذة * * فإني من ليلى لهاغير ذائق
وأكثر شيء نلته من وصالها * * أماني لم تصدق كخطفة بارق
ومن شعر القاضي عبد الوهاب المالكي الفقيه المشهور :
متى يصل العطاش إلى ارتواء * * إذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني الأصاغر عن مراد * * وقد جلس الأكابر في الزوايا
وإنَّ ترفـع الوضعـاء يوما * * على الرفعاء من إحدى الرزايا
إذا استوت الأسافل والأعالي * * فقد طابـت منادمـة المنايـا
وهاك القاضي الجرجاني ، صاحب الأبيات المعلمة المشهورة يقول :
يقولون: لي فيك انقباض، وإنما* *رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم * * ومن أكرمته عزة النفس أكرما
وما كل برق لاح لي يستفزني* * ولا كل من لاقيت أرضاه منعما
وإني إذا فاتني الأمـر لـم أبـت * *أقلب طرفي إثره متندمـا
ولكنه إن جـاء عفـواً قبلـتـه * *وإن مال لم أتبعه لولا وربما
وأقبض خطوي عن أمور كثيرة* *إذا لم أنلها وافرالعرض مكرما
وأكرم نفسي أن أضاحك عابسـاً * * وأن أتلقى بالـمديح مذمما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم * *ولوعظموه في النفوس لعَظّما
ولكن أهانـوه فهـان ودنسـوا * * محياه بالأطماع حتى تجهما
أأشقى به غرساًوأجنيـه ذلـة* *إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما
ويا ليت كل عالم ينقش هذه الأبيات في صدر مجلسه، وعلى صفحة قلبه،
ويجعلها دستوره في حياته، وإمامه في خلائقه! وأبيات أخرى تقول :
وقالوا: توصل بالخضوع إلى الغنى * * وماعلموا أن الخضوع هو الفقر
وبيني وبين المال شيئان حرما * * عليّ الغنى: نفسي الأبية والدهر
إذا قيل هذا اليسر أبصرت دونه * * مواقف خير من وقوفي بها العسر
أما غزله فسهل حلو ومنه قوله:
ما لي وما لك يا فراق * * * أبداً رحيل وانطلاق
يا نفس موتي بعدهـم * * * فكذا يكون الاشتياق
وقوله:
قد بـرح الـحـب بمشتاقـك * * فـأَوْلِهِ أحـسـن أخلاقـك
لا تجـفـه وارع لـه حـقـه * * فـإنـه آخـر عـشـاقـك
ومن شعر القاضي عبد الوهاب المالكي الفقيه المشهور
سلام على بغداد في كل موطن * *وحق لها مني سلام مضاعف
فوا الله ما فارقتها عن قلى لها * *وإني بشطي جانبيها لعـارف
ولكنها ضاقـت علي بأسرهـا * *ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكانت كخل كنت أهـوى دنوه * *وأخلاقـه تنأى به وتخالـف
:
سلبت عظامي لحمهـا فتركتها * * عوارى في أجلادها تتكسر
وأخليت منها مخّها فكأنهـا * * أنابيب في أجوافها الريح تصفر
إذا سمعت باسم الفـراق ترعّدت * *مفاصلها من هول ما تتحذر
خذي بيدي واكشفي الثوب فانظري * *بلى جسدي لكنني أتستر !
وليس الذي يجري من العين ماءها * *ولكنها روح تذوب فتقطر
ومن شعر الظاهري، مؤلف كتاب (الزهرة) في الحب، وكان فقيها و شاعرا:
أنزه في روض المحاسن مقلتي * *وأمنع نفسي أن تنال محرمـا
وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه * * يصب على الصخر الأصم تهدما
ومن شعر أبي الفضل الحصكفي الفقيه الشافعي:
أشكو إلى الله من نارين: واحدة * *في وجنتيه وأخرى منه في كبدي
ومن سقامين: سقم قد أحل دمي* *من الجفون وسقم حل في جسدي
ومن نمومين: دمعي حين أذكره* *يذيع سري وواش منه بالرصد
ومن ضعيفين: صبري حين أبصره * *ووده ويراه الناس طوع يدي
ولو ابتغيت الاستقصاء، وتتبعت المراجع، لجمعت من غزل الفقهاء كتابا،
فأين هذا مما يزعمون أن الفقهاء كرهوا الشعر، وتنزهوا عنه؟
أما إنها لم تفل ألسنة علمائنا، ولم تكلّ أقلامهم، ولم تخفت أصواتهم،
إلا حين أضاعوا ملكة البيان، وزهدوا في الأدب، وحقّروا الشعر... فهل لعلمائنا عودة إلى ما هم أخلق به، وأدنى إليه، وأقدر لو أرادوه عليه؟!مع الديانة والصيانة !!