تعودت كل ليلة ان امشي قليلا, فأخرج لمدة نصف ساعة ثم اعود .. وفي خط سيري يوميا كنت اشاهد طفلة لم تتعدي السابعة من العمر.. كانت تلاحق فراشا اجتمع حول احدي أنوار الإضاءة المعلقة في سور احد المنازل ... لفت انتباهي شكلها وملابسها... فكانت تلبس فستانا ممزقا ولا تتعل حذاءا.. وكان شعرها طويلا وعيناها خضراوان.. كانت في البداية لا تلاحظ مروري .. ولكن مع مرور الايام .. اصحبت تنظر الى ثم تبتسم في وجهي وتهرب وفي احد الايام استوقفتها وسالتها عن اسمها فقالت ... اسماء... فسألتها اين منزلكم ...فاشارت الى غرفة خشبية بجانب سور احد المنازل .. وقالت هذا هو عالمنا اعيش فيه مع امي واخي بدر .. وسالتها عن ابيها.. فقالت ابي كان يعمل سائقا في احدي الشركات الكبيرة .. ثم توفي في حادث مروري .. ثم انطلقت تجري عندما شاهدت اخيها بدر يخرج راكضا الى الشارع .. فضميت في حال سبيلي .. ويوما مع يوم .. كنت كلما مررت استوقفها لاجاذبها اطراف الحديث .. سالتها : ماذا تتمنين ؟ .... قالت كل صباح اخرج الى نهاية الشارع .. لاشاهد دخول الطالبات الى المدرسة .. أشاهدهم يدخلون الى هذا العالم الصغير .. مع باب صغير .. ويرتدون زيا موحدا .. ولا اعلم ماذا يفعلون خلف ها السور ..أمنيتي ان أصحو كل صباح .. لألبس زيهم .. واذهب وادخل مع هذا الباب لأعيش معهم وأتعلم القراءة والكتابة .. لا اعلم ماذا جذبني في هذه الطفلة الصغيرة .. قد يكون تماسكها رغم ظروفها الصعبة .. وقد تكون عينيها .. لا اعلم حتي الان السبب .. كنت كلما مررت مع هذا الشارع .. احضر لها شيئا معي .. حذاء ملابس.. العاب.. اكل.. وقالت لي في احدي المرات بان تعمل في احد البيوت القريبة منهم قد علمتها الحياكة الخياطة والتطريز .. وطلبت مني ان احضر لها قماشا وأدوات خياطه.. فأحضرت لها ما طلبت .. وطلبت مني في احد الايام طلبا غريبا .. قالت لي : اريدك ا تعلمني كيف اكتب ... كلمة احبك... !! مباشرة جلست انا وهي علي الارض .. وبدأت اخط لها علي الرمل كلمة احبك.. علي ضوء عمود انارة في الشارع .. كانت تراقبني وتبتسم.. وهكذا كل ليلة كنت اكتب لها كلمة احبك .. حتى أجادت كتابتها بشكل رائع .. وفي ليلة غاب قمرها .. حضرت اليها .. وبعد ان تجاذبنا اطراف الحديث .. قالت لي اغمض عينك .. ولا اعلم لماذا أصرت علي ذلك .. فأغمضت عيني وفوجئت بها تقبلني ثم تجري راكضه .. وتختفي داخل الغرفة الخشبية .
وفي الغد حصل لي ظرف طارئ استوجب سفري خارج المدنية لاسبوعين متواصلين .. لم استطع ان اودعها .. فرحلت وكنت اعلم انها تنتظرني كل ليله .. وعند عودتي .. لم اشتاق لشي علي وجه الارض بالتحديد مدينتي .. اكثر من شوقي .. لاسماء.. وفي تلك الليلة خرجت مسرعا وقبل الموعد وصلت المكان وكان عمود الانارة الذي نجلس تحته لا يضئ .. كان الشارع هادئا .. احسست بشي غريب .. انتظرت كثيرا فلم تحضر .. فعدت ادارجي .. وهكذا لمدة خمسة ايام .. كنت احضر كل ليلة فلا اجدها .. عندها صممت علي زيارة امها لسؤالها عنها .. فقد تكون مريضه .. استجمعت قواي وذهبت للغرفة الخشبية .. طرقت الباب علي استحياء .. فخرج بدر .. ثم خرجت امه من بعده .. وقالت عندما شاهدتني ... ياالهي .. لقد حضرت ... وقد وصفتك كما انت تماما .. ثم اجهشت في البكاء .. علمت حينها ان قد حصل .. لكني لا اعلم ما هو ؟؟؟ وعندما هدات الام سالتها ماذا حصل ؟؟؟ اجيبيني ارجوك .. قالت لي : لقد مــــــاتـــــــت أســـمـــاء ....وقبل وفاتها قالت لي سيحضر احدهم للسؤال عني فاعطيه هذا وعندما سالتها من يكون .. قالت اعلم انه سياتي .. سياتي لا محالة ليسال عني ؟؟ اعطيه هذه القطعة.. فسالت امها ماذا حصل ؟؟ قالت لي توفيت اسماء .. في احدي الليالي احست ابنتي بحرارة واعياء شديدين .. فخرجت بها الى احد المستوصفات الخاصة القريبه ..فطلبوا مني مبلغا ماليا كبيرا مقابل الكشف والعلاج لا املكه .. فتركتهم وذهبت الى احد المستشفيات العامة .. وكانت حالتها تزداد سوءا .. فرفضوا ادخالها بحجة عدم وجود ملف لها بالمستشفي .. فعدت الى المنزل .. لكي اضع لها الكمادات .. ولكنها كانت تحتضر بين يدي .. ثم اجهشت في بكاء مرير .. لقد ماتت .. ماتت اسماء .. لا اعلم لماذا خانتني دموعي .. نعم لقد خانتني .. لاني لم استطع البكاء .. لم استطع التعبير بدموعي عن حالتي حينها .. لا اعلم كيف اصف شعوري لا استطيع وصفه لا استطيع .. خرجت مسرعا ولا اعلم لماذا لم اعد الى مسكني بل اخذت اذرع الشارع .. فجأة تذكرت الشي الذي اعطتني اياه ام اسماء.. فتحته.. فوجدت قطعة قماش صغيرة مربعه .. وقد نقش عليها بشكل رائع كلـــمة احــــبك .. وامتزجت بقطرات دم متخثره .. يالهي لقد عرفت سر رغبتها في كتابة هذه الكلمة .. وعرفت الان لماذا كانت تخفي يديها في اخر لقاء .. كانت اصابعها تعاني من وخز الابر التي كانت تستعملها للخياطة والتطريز .. كنت اصدق كلمة حب في حياتي لقد كتبتها بدمها بجروحها بألمها .. كانت تلك الليلة هي اخر ليلة لي في الشارع ذلك الشارع فلم ارغب في العودة إليه مرة أخري فهو كما يحمل ذكريات جميلة يحمل في قلبه تلك الفتاة التي كانت تراقص الأمل ماتت أسماء ولم يمت الأمل في أن أراها يوما في حلمي في يوم أموت أنا مثلها .